منتديات برقش
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تعرف على بيت ايدس
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشاعر والباحث الأردني مقدادي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
A7mad Almiqdadi
المدير العام
المدير العام
A7mad Almiqdadi


ذكر
عدد الرسائل : 315
العمر : 33
البلد : المملكة الاردنية الهاشمية
العمل : طالب
المزاج : حسب الدنيا
دعاء : الشاعر والباحث الأردني مقدادي Sob7an
عدد النقاط : 204
تاريخ التسجيل : 26/07/2007

الشاعر والباحث الأردني مقدادي Empty
مُساهمةموضوع: الشاعر والباحث الأردني مقدادي   الشاعر والباحث الأردني مقدادي I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 02, 2010 2:59 am

الشاعر والباحث الأردني مقدادي: الشعر بؤرةُ الضوء في جسد القصيدة


الشاعر والباحث الأردني مقدادي 202076

يؤكد الشاعر د.محمد مقدادي أن القصيدة هي سلاحه الذي يواجه به كل ما ينبري لإجهاض مشروع الحب والخير ووأد قيم الجمال والحرية والكرامة الإنسانية في هذا العالم المجنون.
ويرى المولود في بيت إيدس العام 1952، أن التجريب في حقل التشكيل الفني الإبداعي محاولة لاستكمال نص الحياة وكونشيرتو المستقبل، ويؤمن بأن قيمة مجد الكائن تقاس بما تقطع قدماه من مسافات، وبقدر ما ترى عيناه من بلاد، وتمتلئ ذاكرته بالمفردات الإنسانية الفذّة.
ويعتقد صاحب دواوين حقول الليلك ، ذاكرة النهر ، أحد..أحد ، طواف الجهات ، على وشك الحكمة ، أن الحالة الإبداعية هي التي أخذت بيده لإنجاز كتابيه العولمة رقاب كثيرة وسيف واحد ، و أميركا هيكلة الموت .
للوقوف على تجربة مقدادي الكتابية، ورؤيته للواقع الإبداعي العربي، كان هذا الحوار:


الثقافي ما الذي تتوقعه من الشعر بعد تجربة حافلة أفضت إليك بكل تجلياتها، بدءا من هواجس الشعر الأولى، وحتى التحام نصك الإبداعي بما وراء الشعر؟
- لم يعد الشعر يقدم متعة للجمهور وإحساساً باللذة والتخيّل والاسترخاء، بل أصبح ذلك الغريب الذي يحمل عصاه ومعوله في العالم كاشفاً خراباً هنا وخراباً هناك، ليفتح عيون الناس على فجيعة تتمدد من بين أيديهم ومن خلفهم. إنه الثورة على كل ما ينبني عليه الفساد ويقود إلى الهزائم والانكسارات. أصبح الشعر أداة للفضح، لا للتستر على بحار الدم والمقابر الجماعية وأشكال التعسف التي تطال الإنسان، مؤدية إلى توالد أنماط شتى من القهر السياسي والاجتماعي والتعمية الثقافية.
القصيدة بيتي، أشكّلها حجراً حجراً، وأهندسها كما أريد، أرفع أركانها عالياً في فضائي المفتوح، أفتح نوافذها، وأستقبل من خلالها شمس الغد، وأتنفس برئتيها هوائي الذي أريد. هي بيتي أؤثثه بأبسطة من الشوك أو الحرير، وأهيئه لاحتضان ضيوفي من صحب وجمهور يلتقط معي سنابلي فيكون الحصاد مكتملاً، لا أحسّ بغربتي إلا حين أكون خارج أسوار قصيدتي - بيتي، ولا تطيب لي إقامة إلا هناك على حافة زلازلها وبراكينها، وفي أحضان الشحيح من وردها وقرنفلها، أمد جسدي على زرابي الحصى والجمر، ومن هناك أستلهم ما يأخذني إلى آفاق وتخوم، فأرتكب وزر الشعر، وأشفي غليلي من الموت حين أراه ممعنا في اغتيال كل ما من شأنه أن يجعلنا أكثر التصاقاً بالحياة وانبهاراً بها، وهي التي أوجدها الله لنضيف إليها المعنى، ونقوم على إعمارها بكل ما يؤكد بهاءه وحكمته. لكنه العبث المروع بكل ما هو جوهري وعظيم.
من هنا تجيء القصيدة، فهي ليست ما أتخندق به، أو ألوذ إليه خشية القادم، بل هي سلاحي الذي أواجه به كل ما ينبري لإجهاض مشروع الحب والخير ووأد قيم الجمال والحرية والكرامة الإنسانية في هذا العالم المجنون.

الثقافي إذن كيف تنظر إلى موقف الشاعر تجاه أدوات التهميش والتهشيم إذا كان الشاعر ليس محوراً للنص في حدّ ذاته؟
- الشاعر ليس محوراً للنص كمحور في حد ذاته، بل هو بؤرة الضوء في جسد القصيدة، ومنها تنبعث الخيوط الكاشفة باتجاه الحقول التي يغمرها الظلم والظلام، ويكسوها غبار الرذيلة الرعناء، والأنثى -كالوطن أيضاً- عرضة للنهب والقهر والاحتلال، وكذلك الذكريات، والطفولة والحب، وكل ما يقربنا إلى النفس التي هي جزء من ذات خالقها. إذن، ما الذي يفعله الشعر إزاء أدوات التهميش والتهشيم التي تطال مفاصل الحياة بكل تجلياتها؟
هناك خياران لا ثالث لهما، إما مواجهة الواقع بأدواته الكاسحة مع الإيمان بحتمية انتصار عناصر البناء على معاول الهدم والخراب، أي عدم الامتثال لمشيئة الواقع مهما كان الواقع باغياً وطاغياً ومسلحاً بما يجعله سيد هذه الجولة. وإما الاستسلام لمقولة ليس بالإمكان أفضل مما كان ، وهذا الخيار هو الأسهل والأجدى، لأنه لا ينطوي على خسائر مباشرة تقاس وفقاً للمعايير العامة.
أما أنا فقد اجتزت مرحلة الاختيار، وحددت مكاني ومكانتي، ملأت كنانتي بما يليق، وقررت المواجهة كمشروع وليس كحالة طارئة لأن الذي نواجهه كمثقفين هو إستراتيجية تعد كامل عدتها لتقويض صروح الثقافة ودك حصونها واحدا تلو الآخر، وأرى أن يكون الشاعر والمبدع شعرة في ذيل أرنب مقدام خيراً من أن يكون رأساً لأسد جبان. القضية في اختيار الشاعر لموقعه وموقفه، والتاريخ والناس هما الحكم في آخر الأمر.

الثقافي يقودنا هذا إلى النظر إلى النص الشعري على أنه اتصال ذهني قبل كل شيء مع الوجود، وليس اتصالاً عاطفياً، مع العلم أن الوجه الآخر للذات هو وجه عاطفي، وليس ذهنيّاً..
- هذا مؤكد، فمع أن النص يبدأ بشحنة عاطفية تستجيب للمعطيات الراهنة، لكنها وما إن تشرع القصيدة بالولادة حتى تتحول إلى حالة ذهنية من غير أن نتخلص من أحمال شحنتها الأولى. هنا تكمن قدرة المبدع على المواءمة بين الحالتين، حيث أن ولادة القصيدة -كأي ولادة- لا تتأتى بشكل انشطاري أو عنقودي، فهي تستوجب الإخصاب أولا والتشكل التدريجي في رحم يحقق لها شروط الحياة، إلى أن ينبلج نور القصيدة متوهجاً بكل ممكنات العمل الإبداعي الطليق والمستند إلى جملة من الحقائق الذهنية التي يتضمنها النص بالشكل الذي يروق لكاتبه.

الثقافي تشكل مجموعتك الشعرية على وشك الحكمة ، نقطة تحوّل في العلاقة بين الذات والمحيط، وربما يكون للتحوّل السريع الذي طرأ على حراك العالم ومفرداته أثر كبير في إعادة بيت الذاكرة إذا جاز التعبير، كيف تقرأ الصياغة التي اتخذتها النصوص في هذه المجموعة سبيلاً للوصول إلى الذات؟
- أنجزت هذه المجموعة على مراحل عدة جلّها كان في سنوات الاغتراب، بدءاً من الولايات المتحدة منذ 1995، وانتهاء بالتنقل والعيش في تونس وقطر حتى العام 2003. والغريب أن هذه النصوص كانت تفاجئني وتجيء على غير انتظار، فمرة أكتب بعضها في الطائرة والحافلة، واستوقفني بعضها وأنا أقود سيارتي أو أجلس على مقعد الدراسة. إنها نصوص مستفزة لأنها تعبر عن الحياة بكل تجلياتها وتفاصيلها وموقفي منها في سني العمر، حيث يكون المبدع في أقصى حالات شفافيته، ويطفو حزنه النبيل على سطح الذاكرة ملوحاً له بالقرطاس والقلم، حيث عندئذ تندلق من الوجدان مختمرة ومزدانة بطقوس رحلة الاغتراب وابتهالاتها المخنوقة، فقد ارتأيت في هذا النمط من الكتابة صيغة أخرى مكنتني من مراجعة العلاقات القائمة مع الله والوطن والأصدقاء والأب، تعاملت معها وجعلتها تنسحب على مكونات الكتاب، حتى جاء بعضها صارماً ومسنناً حدّ الإيلام والترف، وبعضها الآخر انساب شفافاً كالدمع ورقراقاً كماء الينابيع، خصوصا في الجزء الأخير الذي اشتمل على بعد صوفي كان لسقوط بغداد في العام 2003 أثر كبير في صياغته.
الثقافي ما الذي أصاب الشعر، ما الذي أفرع القصيدة من فضائها الحقيقي، ما هذه الانتكاسة لديوان العرب، من المسؤول عن هذا التردّي، وكيف تنظر إلى المرض الذي أصاب الشعر في الأردن بعد نهاية القرن الماضي؟
- ليس الشعر في الأردن وحده ما أصيب بهذه الانتكاسة، بل حدث له ذلك في كل أنحاء الوطن العربي، وهو أمر طبيعي لسببين: أولهما حالة الاستتباع التي تنتاب الأمة والتقليد الأعمى لمن غلبوا على أمرهم، مما أدى إلى تعميم الرداءة وتهميش الجوهري وتسطح الرؤى. ويتمثل السبب الثاني في الخلل الوظيفي الذي أصاب أدوات النقد والتصويب، إذ اعتزل النقد مهامه وتنحى عن وظائفه، فبات إما مهللاً ومطبلاً لأشخاص معيين بصرف النظر عن مستوى إبداعاتهم، وإما صامتاً عن قول الحق في ما يخص النماذج التي تتصدى منابرنا الإعلامية لعرضها ضمن حقن الهشاشة والتلفيق التي يجري حقن الدم العربي والذوق العربي، لتشويه كل ما يحمل رسالة أسمى وأقدر على مجابهة خديعة ما يسمى الحداثة التي أوغل بها من لا يمتلك شيئاً من أصول وقواعد اللغة.
وفي غياب المعايير النقدية الملزمة، واستنكاف النقاد عن الاضطلاع بمهام التنقية والتفتيش والتوجيه ومصادرة البضاعة الفاسدة، امتلأت الصحافة والإذاعة والتلفاز بنماذج منفرة للجمهور الذي انفض عن محافل الشعر، وتراجع عن مجالسة أهله.
نحن إذاً أمام ظروف موضوعية تتمثل في انكسار مشروع الأمة الحضاري، وظروف ذاتية تتمثل في غياب مسؤولية المبدع إزاء نصه، ومسؤولية الناقد حيال ما تزدحم به أرفف المكتبات من أعمال لا تستند لمرجعية إبداعية، وبالتالي ليست أمينة على مستقبل الأمة، لأنها عاجزة عن الأخذ بناصية الحاضر المؤسس لذلك المستقبل المأمول.

الثقافي يحيلنا هذا إلى سؤال عن علاقة النص الشعري بالنقد، وإشكالية هذه العلاقة، وما الذي ينتظره نصك الشعري من النقد، خصوصا إذا ما عرفنا أن نصك جماهيري بامتياز، هل ينتظر سوق الكلاشيهات الجاهزة، أم تحميلها عبء البحث عن إيقاع ذوقي جديد يتصل بالحبل السري للنص؟
- النقد في بلادنا يأخذ شكلين: فهو إما نقد انطباعي يتناوله غير المتخصصين بالنقد الأدبي، ولا يمتلكون الأدوات التي تؤهلهم للغوص في أعماق النص والوقوف على دلالات مفرداته، ويكتفون بتناوله من الخارج مدللين على وعيهم بسطوح النص وقراءته وفقاً لآثاره النفسية وما يتركه من بصمات جمالية، أو غير جمالية أحياناً. وبالتالي فإن هذا النمط النقدي غير مكتمل، ولا يضيف جديداً ولا يكشف عن خفايا النص ومكنوناته إلا بمقدار ما ينطبع في الذهن من أثر برّاني لدى المتلقي.
أما الشكل الآخر من النقد فهو ذلك الذي يؤسس لقراءة النصوص قراءة تشريحية جوانية مستشرفة من خلايا النص ما ينبئ به تلميحاً أو تصريحاً، وهو ليس بالنقد الأكاديمي الجاف والمتعالي على النص، بل هو نقد ممتلك للأدوات النقدية الأكاديمية، ولكن في الوقت نفسه قادر على إقامة مشروع إبداعي مواز للنص. والناقد المتمتع بهذه الخصائص هو من يقدم نصاً إبداعياً على النص الأول الذي يتلقى من روح الناقد ما يبثّ الحياة فيه، وما يقود إلى إثرائه وإعادة تشكيله في ذهن القارئ، بما يبلّغ رسالة النص ومحموله الإبداعي والفكري.
أما في ما يتعلق بما قدمت شخصياً من نصوص عبر مسيرة العمر، فإنني أعتقد أنها لم تحظ غلا بالقليل من الدراسات النقدية غير الانطباعية على مستوى الساحة الأردنية، مع أنني حظيت بدراسات أكثر جدية وعمقاً في غير قطر عربي، وأود أن أسجل بصوت عال هنا عتباً على الجامعات الأردنية التي يتناول الدارسون فيه (أساتذة وطلبة) أعمالا عربية وأجنبية كثيرة في الوقت الذي لا تحتل النصوص المحلية إلا مساحة ضيقة لديهم، وتتراوح دراساتهم بين انتصار للشلّة، وتكريس لأسماء بعينها، اعتادت وسائل الإعلام وفي مقدمتها الصحافة على تقديمها في كل عرس ومناسبة، وهو أمر أضرّ كثيراً بالمساهمة الإبداعية الأردنية في مسيرة الإبداع العربي، وألقى بالكثير من الظلال والعتمة على منجزنا الذي يحق لنا أن نفخر بالكثير منه من غير انحياز للجغرافيا التي لا نقر بها على المستوى الفكري والثقافي، بل نعدّ ما ينجز هنا جزءاً مما يرفد الثقافة القومية والإنسانية الشاملة.

الثقافي في قصائدك الأخيرة ثمة نزوع للكتابة على البحور الكلاسيكية للشعر العربي، ونرى كثيراً من الشعراء يتجهون لهذا النمط من الكتابة، هل هي عودة لإحياء التراث الشعري، أم هي صحوة باتجاه الاقتراب من عامة الشعب، أم التأكيد على شاعرية الشاعر؟
- الشعر العربي حالة تجمع بين ما هو تاريخي وما هو إبداعي في الوقت نفسه، وكل حالة مماثلة هي عرضة للتحديث والتطوير والإضافة، ولأن الذي يبحر في أصقاع الشعر وعوالمه لا بد أن يبدأ من هناك.. من رأس النبع، قبل أن يذهب إلى المصبات، فقد نهلت من ينابيع الشعر وشكلت منها مقفز البدايات للتشكل والانطلاق إلى سفوح الشعر الرحبة والتحليق عالياً في فضائه اللامحدود. ولأن الإبداع حالة دينامية غير خاضعة للقيود كاللعبة السياسية مثلاً، فإن بقاءه في قوالبه يحيله إلى مستنقع راكدة مياهه ولا يعيش فيها غير كائنات رخوة غير قادرة على الصمود في وجه عواصف التغيير، إيجاباً أو سلباً.
من هنا أرى أن على الشاعر أن يمتلك الزمام، وأن يقدم الشعر في قالبه الذي يخدم قضيته ويؤكد حقيقة معناه، ويرسل رصاصته في الاتجاه الذي يريد من غير قرار مسبق بالشكل الذي ستكون عليه القصيدة، فأنا أكتب القصيدة التي تختار شكلها وطراز ثوبها، وترتدي ما تشاء من الحلي والأقراط، لكنها لا تخرج عن سياق اللعبة التي لا أكون فيها متفرّجاً على الحدث بقدر ما أكون واحداً من صانعيه وموجّهي دفته، ليكون الأقرب لي، وعندئذ يكون الأقرب كذلك لعامة الشعب الذي لم يتحلل بعد -ولا يجوز له أن يفعل- من التراث الذي يرى فيه بعضهم قيداً على الإبداع، وأرى فيه قارب نجاة الأمة إن هي أحسنت التعامل معه وانتقاء العظيم منه والبناء عليه والإبحار به صوب مجاهل الدنيا التي تزداد في ظل المتغيرات الدولية إبهاماً وشمولية وتنأى بالأمم عن خصوصياتها الثقافية والحضارية، وهو ما يجب أن نتصدى له بما نمتلك، وبما ينبغي لنا أن نمتلك من أدوات إبداعية للنهوض بمشروع حضاري متكامل.

الثقافي الأمكنة التي تزورها تحضر بقوة في نصوصك الشعرية، ما الذي يفعله المكان بالشعر، ولا يفعله الإنسان؟
- هذه النصوص أولاً من قدسية الجغرافيا وقدرة المكان على التأثير النفسي حينما أتعلق به وأنخرط في تفاصيله ومكوناته الطبيعية المادية والبشرية، أتعامل مع المكان كأنثى آخذها بين ذراعي واحتضنها وأرشفها وأغسلها من غبارها وأتطهر بها من خطيئتي.. أخوض بها بحاراً من الدفء والعشق والمتعة والانبهار، وتخوض بي في معالمها ونتوءاتها، وأمرّغ رأسي بأعشاب حقولها وقمح بيادرها، واسترخي بعد رحلة من الضنك على سفوحها المتواطئة مع الأفول الذي تقتضيه دورة العمر الذي يشكل المكان محورها، كل مكان.. مثل كل أنثى.. يحمل مفاجآته الخاصة، وعبقه الخاص، وسنديانه العتيق، وله رعاة يقدمون الغناء بلغات شتى وعلى أنغام نايات مجرّحة، لكنها جميعاً تقود الخراف إلى مائها وكلئها وتدخلها في بهجة الصباحات المشرقة.
لقد تعاملت مع المكان كأنه كائن حي، وكل مكان زرته وتعرفت إلى ساكنيه وزواره والغرباء فيه منحني الكثير من المعرفة، وجعل من حياتي متحفاً يمور بمقتنياته النادرة، فأثثت بها مملكة تضج بالأحلام، وتولد كل يوم لدي رغبة في البقاء على متن شراعي متوسّلاً الموج والريح أن يأخذاني إلى عالم يدق وتداً جديداً في أركان خيمة المعرفة التي مثل غمامة تظلل حاجبيّ حينما تقسو الحياة وتزدحم شؤونها وصروفها على غير انتظار.
لقد نبع إيماني بالمكان من اعتقادي بأن قيمة مجد الكائن تقاس بما تقطع قدماه من مسافات، وبقدر ما ترى عيناه من بلاد، وتمتلئ ذاكرته بالمفردات الإنسانية الفذّة.
الثقافي لكن المكان يتطلب ذاكرة سينمائية وأداة تشكيلية؟
- نعم.. هنا تتبدّى أهمية الذاكرة البصرية في محمولها التصويري وقدرتها على تحمل أعباء تحويل الصورة الجامدة إلى حقيقة إبداعية تسعى بين يدي الناس. إن الشاعر في تعامله مع المكان ليس تعاملاً فوتوغرافياً، بل هو إعادة إسالة الدم في شرايين المكان وأوردته، بما يجعل منه كائناً حيّاً تتم مخاطبته ودعوته معك إلى مائدة العشاء وفتح حوار مع أعضائه التي تنوء بما حملته من غبار الأزمنة، هنا تكمن المعرفة في إنطاق المكان ليبوح بما استعصى على الفهم العابر، فيكون بذلك شاهداً على من زوّر التاريخ أو صادر جزءاً منه، وتلك هي عبقرية المكان الذي تجد فيه الكائنات ذاكرتها، ونجد فيه نحن المبدعون دهشة نقرأها ونعيد صياغتها على الشكل الذي يفي بحق المكان، ويبقيه وفيّاً لرسالته وثوابته ومعانيه.

الثقافي شاركتَ مؤخراً بمعرض فن تشكيلي مع الشاعرين والتشكيليين حسين نشوان وعبد الله منصور، ما الذي أردت قوله في هذا المعرض، الذي بدت لوحاتك فيه نصوصاً تشكيليةً تعتمد على المتخيل اللوني؟
- محاولة الرسم عندي بدأت مبكرة منذ أول قلم رصاص وضعته بين السبابة والوسطى -هكذا كنت أمسك قلمي- وهي بدايات مبكرة على بدايات الشعر والكتابة، اللذين تقدما على الرسم الذي انتحى جانباً معتماً في كهوف النفس إلى أن سافرت إلى أميركا لغايات استكمال الدراسات العليا، وأقمت في ولاية نيومكسيكو ، وفي جامعتها حيث تقام معارض الفن التشكيلي أتيحت لي فرصة لقاء فنان من الهنود الحمر الذين يقيمون على مقربة من العاصمة، وقد دعاني فريدريكو مرات عدة على بيته المتواضع، وعلمني تقنية جديدة تقوم عليها مدرسة في الرسم هناك، وهي تستند إلى مزج لوني يتحكم الفنان باتجاهاته ومستويات امتزاجه وتدرج ألوانه وتعدد الملامح الشكلية وتداخلها بما يخدم الفكرة التي قد لا تتشكل إلا في خضم التجربة اللونية الآنية، فهو رسم غير محدد في البداية، ويعتمد على إبداعية الفنان وقدرته على خلق المضمون أثناء تشكل اللوحة، بما يضمن انقيادها وراء الانسيابات اللونية.
تعلمت هذه التقنية التي تمتاز بفرادتها وفرديتها، وقدمت بعض أعمالي للمرة الأولى في المعرض المشترك مع زميليّ الشاعرين، ولأنني اضطررت للسفر فلم أتمكن من متابعة هذا المعرض وردود الفعل عليه. وأتمنى أن تكون لوحاتي نصوصاً تشكيليةً تعتمد على المتخيّل اللوني، كما وصفتها، لأنها حينئذ تكون قد أفصحت عمّا أريد، وهو ما يدفعني إلى مواصلة التجريب في هذا الحقل الإبداعي الذي أرى فيه محاولة لاستكمال نص الحياة وكونشيرتو المستقبل.

الثقافي أنت باحث مميز في شؤون العولمة، ولك رأي تنويري في هذا المجال، وأصدرت كتابين في هذا الاتجاه: العولمة رقاب كثيرة وسيف واحد ، و أميركا وهيكلة الموت . كيف تنظر للعولمة من الجانب الثقافي؟
- أنا متخصص أكاديمياً في الاقتصادات الدولية، لكن الحالة الإبداعية هي التي أخذت بيدي لإنجاز ذينك الكتابين، إذ كان الباعث الفعلي وراء الكتاب الأول هو الإحساس بمسؤوليتي ككاتب أولاً إزاء ما يجري في هذا العالم من تعديات على إنسانيته وكرامة شعوبه وحرية أوطانه، ورأيت في ما رأيت أن العولمة المتوحشة، تستخدم أدواتها الفاعلة من تقنيات ووسائل اتصالات ورؤوس أموال ومؤسسات عالمية وقدرات عسكرية في امتهان الشعوب واستعبادها وإعادة العالم إلى مربعات الصراع الأول، بدلاً عن الاستخدام الرشيد والإنساني للمنجزات العلمية في عالم بات مفتوحاً على كامل تفاصيله الاقتصادية والسياسية والثقافية.
لقد آمن بعض الذين غرّر بهم الإعلام الذي ينساب في فضاء كوني مفتوح، بشعارات العولمة الآخذة بالألباب حول حقوق الإنسان والديمقراطية وردم الفجوة الاقتصادية بين الشمال المتخم بقدراته وابتكاراته وجنوب مكتظ بما يستحكم فيه من جهل وفقر وقهر وتعسف، وهي شعارات أغرت في البدء شعوب العالم الثالث وبعضاً من مفكريه، وساد اعتقاد بأن العالم الأول الذي تسكنه الشعوب المختارة قد تخلى عن فكره الاستعلائي الاستعماري الذي عهدته شعوبنا في القرون السابقة، وأنه بات يتجه نحو مشاركة الشعوب البائسة في حلّ معضلة تخلّفها.
لكن سحابة التضليل الإعلامي انقشعت وأطل علينا المستعمرون بكامل صلفهم وغرورهم وبطشهم، فاحتُلت أفغانستان والعراق، وهُددت القوى الممانعة للمشروع الاستعماري بحلته الجديدة وأدواته المدمرة للقيم والمفاهيم والمتجاوزة للخصوصية الثقافية للأمة ولمنجزها الحضاري والإنساني حين دفع مفكرو الغرب بالصراع الحضاري إلى الواجهة، وآمنوا بحتمية انتصار النموذج الليبرالي الغربي (اقتصادياً ومعرفياً) على غيره، وخصّوا بالذكر هنا النموذج الاشتراكي بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، والنموذج العربي الإسلامي بوصفه نموذجاً قهرياً واستبدادياً ومعادياً لكل حركة تقدمية أو فعل مستقبلي.
هذا أجّج الصراع وجعل الثقافة ميداناً له بصرف النظر عن محاولات التعتيم والتعمية التي تبتكرها وسائل الإعلام على الجبهتين، جبهة الأمة المجزأة، وجبهة أعداء الأمة المدججين بكل ما قدمته التكنولوجيا لهم من أدوات اعتقدوا أنها ستحسم معركة الصراع القائم منذ خمسة قرون على الأقل، ولم تنهزم الأمة وإن تراخت الأيدي عن الزناد، وركنت العقول إلى زوايا الجهل والتخلف وأصبح كل حزب فرح بما لديه، لكن الضمير العربي والإنساني لم يقف مستسلماً إزاء ما لحق بمكانة الأمة من مهانة وانكسار، كان الأساس فيها تغييب الشعوب عن حقيقتها التاريخية والسياسية وعدم تمكينها من المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية وحتى اليومية التي تمس حياتها ومستقبل أجيالها، مما أدى إلى انكسار مشروع النهضة والتنوير وتراجع فعل العقل وتعطلت عوامل الاستشعار لتقديم رؤية الأمة الواحدة في صراعها مع الآخر الذي لا يدع فرصة لتعميق التجزئة والتفتت وترسيخ قيم التنائي إلا واستثمرها مستفيداً من هذا الترهل الذي أصاب جسد الأمة، والعشى الذي ألم ببصرها وبصيرتها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.almigdady2007.mam9.com
دمعة قلب مجروح
ابن برقش
دمعة قلب مجروح


انثى
عدد الرسائل : 221
العمر : 28
البلد : بيت ايدس
العمل : طالبة توجيهي
المزاج : رايقه
دعاء : الشاعر والباحث الأردني مقدادي Sob7an
عدد النقاط : 231
تاريخ التسجيل : 03/05/2011

الشاعر والباحث الأردني مقدادي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشاعر والباحث الأردني مقدادي   الشاعر والباحث الأردني مقدادي I_icon_minitimeالخميس يونيو 02, 2011 1:22 am


مشكور اخي على الموضوع
وفعلا ان الدكتور الشاعر محمد مقدادي شاعر مميز وكاتب رائع
ننتظر المزيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.google.com
A7mad Almiqdadi
المدير العام
المدير العام
A7mad Almiqdadi


ذكر
عدد الرسائل : 315
العمر : 33
البلد : المملكة الاردنية الهاشمية
العمل : طالب
المزاج : حسب الدنيا
دعاء : الشاعر والباحث الأردني مقدادي Sob7an
عدد النقاط : 204
تاريخ التسجيل : 26/07/2007

الشاعر والباحث الأردني مقدادي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشاعر والباحث الأردني مقدادي   الشاعر والباحث الأردني مقدادي I_icon_minitimeالخميس يونيو 02, 2011 6:23 pm

مشكوووورة أختي دمعة قلب مجروح على المرور
نحن نفنخر بمثل هذه الشخصيات المميزة في بلدنا
وهوه فخر لنا الدكتور محمد مقدادي وتاج فوق راس البلد التي اخرجتة
يسلموا كتير مرة ثانية على هذا المرور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.almigdady2007.mam9.com
 
الشاعر والباحث الأردني مقدادي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات برقش :: ––––•(-• منتدى تعرف علينا •-)•–––– :: .:. بيت ايدس .:.-
انتقل الى: